فصل: السنة التاسعة من سلطنة الملك الكامل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة التاسعة من سلطنة الملك الكامل

محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة أربع وعشرين وستمائة‏.‏

فيها عاد الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل إلى بلاده بعد أن صالح أخاه الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل وكلاهما أخو الملك الكامل هذا‏.‏

وفيها حج بالناس من الشام الشجاع علي بن السلار ومن ميافارقين الشهاب غازي ابن الملك العادل‏.‏

وفيها توفي السلطان الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي الأيوبي صاحب الشام‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ وفيها توفي الملك المعظم العالم الفقيه المجاهد في سبيل الله الغازي النحوي اللغوي‏.‏

ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وخمسمائة ونشأ بالشام وقرأ القرآن وتفقه على مذهب أبي حنيفة بجمال الدين الحصيري وحفظ المسعودي واعتنى بالجامع الكبير ‏"‏ وقرأ الأدب والنحو على تاج الدين الكندي فأخذ عنه ‏"‏ كتاب ‏"‏ سيبويه وشرحه الكبير للسيرافي ‏"‏ والحجة في القراءات ‏"‏ لأبي علي الفارسي و ‏"‏ الحماسة ‏"‏ وقرأ عليه الإيضاح لأبي علي حفظًا ثم ذكر مسموعاته في الحديث وغيره إلى أن قال‏:‏ وشرح الجامع الكبير وصنف الرد على الخطيب والعروض وله ‏"‏ ديوان شعر ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكان شجاعًا مقدامًا كثير الحياء متواضعًا مليح الصورة ضحوكًا غيورًا جوادًا حسن السيرة‏.‏

وأطلق أبو المظفر عنان القلم في ميدان محاسنه حتى إنه ساق ترجمته في عدة أوراق في مرآة الزمان‏.‏

قلت‏:‏ ويحق له ذلك فإن المعظم كان في غاية ما يكون من الكمال في عدة علوم وفنون وهو رجل بني أيوب وعالمهم بلا مدافعة ومحاسنه أشهر من أن تذكر‏.‏

وكانت وفاته - رحمه الله - في ثالث ساعة من نهار الجمعة أول يوم ذي الحجة ودفن بقلعة دمشق ثم نقل بعد ذلك من قلعة دمشق ودفن مع والدته في القبة عند الباب‏.‏

وخلف عدة أولاد‏:‏ الملك الناصر داود والملك المغيث عبد العزيز والملك القاهر عبد الملك ومن البنات تسعًا وقيل إحدى عشرة‏.‏

وتولى ابنه الناصر داود دمشق بعده إلى أن أخذها منه عمه الملك الكامل صاحب الترجمة‏.‏

وفيها توفي الملك جنكزخان التركي طاغية التتار وملكهم الأول الذي خرب البلاد وأباد العباد وليس قلت‏:‏ هو صاحب ‏"‏ التورا ‏"‏ و ‏"‏ اليسق ‏"‏ وقد أوضحنا أمره في غير هذا الكتاب وذكرنا أصله واعتقاد التتار فيه وأشياء كثيرة‏.‏

والتورا باللغة التركية هو المذهب واليسق هو الترتيب وأصل كلمة اليسق‏:‏ سي يسا وهو لفظ مركب من أعجمي وتركي ومعناه‏:‏ التراتيب الثلاث لأن ‏"‏ سي ‏"‏ بالعجمي في العدد ثلاثة و ‏"‏ يسا ‏"‏ بالتركي‏:‏ الترتيب وعلى هذا مشت التتار من يومه إلى يومنا هذا وانتشر ذلك في سائر الممالك حتى ممالك مصر والشام وصاروا يقولون‏:‏ ‏"‏ سي يسا ‏"‏ فثقلت عليهم فقالوا‏:‏ ‏"‏ سياسة ‏"‏ على تحاريف أولاد العرب في اللغات الأعجمية‏.‏

ولما أن تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنكرخان هذا وأموره ففعل ما أمكنه ورتب في سلطنته أشياء كثيرة لم تكن قبله بديار مصر‏:‏ مثل ضرب البوقات وتجديد الوظائف على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - في ترجمته‏.‏

واستمر أولاد جنكزخان في ممالكه التي قسمها عليهم في حياته ولم يختلف منهم واحد على واحد ومشوا على ما أوصاهم به وعلى طريقته ‏"‏ التورا ‏"‏ و ‏"‏ اليسق ‏"‏ إلى يومنا هذا‏.‏

انتهى‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي داود بن معمر بن عبد الواحد بن الفاخر القرشي في رجب وفي شعبان وله تسعون سنة‏.‏

وطاغية التتار جنكزخان في شهر رمضان‏.‏

وقاضي القضاة بحران أبو بكر عبد الله بن نصر الحنبلي وله خمس وسبعون سنة‏.‏

وأبو محمد عبد البر ابن الحافظ ابن العلاء الهمذاني بروذراور في شعبان‏.‏

والبهاء عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي الحنبلي الفقيه المحدث في ذي الحجة وله تسع وستون سنة‏.‏

والملك المعظم شرف الدين عيسى بن العادل في ذي القعدة وله ثمان وأربعون سنة‏.‏

وأبو الفرج الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب في المحرم وله سبع وثمانون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع أذرع واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

هكذا وجدته مكتوبًا ولعله وهم من الكاتب‏.‏

السنة العاشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة خمس وعشرين وستمائة‏.‏

فيها نزل جلال الدين بن خوارزم شاه على خلاط مرة ثانية وهجم عليه الثتاء فرحل عنها إلى أذربيجان وخرج الحاجب علي من خلاط بالعسكر فاستولى على خوي وسلماس وتلك النواحي وأخذ خزائن جلال الدين المذكور وعاد إلى خلاط فقيل له‏:‏ بئس ما فعلت‏!‏ وهذا يكون سببًا لهلاك العباد والبلاد فلم يلتفت‏.‏

وفيها كان فراغ مدرسة ركن الدين الفلكي بقاسيون دمشق‏.‏

وفيها توفي عبد الرحيم بن علي بن إسحاق سبط القاضي جمال الدين القرشي‏.‏

كان إمامًا عالمًا فاضلًا غزير المروءة كثير الإحسان شاعرًا مترسلًا وكانت وفاته بدمشق في سابع المحرم‏.‏

ومن شعره قوله في مليح بالحمام‏:‏ تجرد للحمام عن قشر لؤلؤ وألبس من ثوب المحاسن ملبوسا وقد زئين الموسى لتزيين رأسه فقلت لقد أوتيت سؤلك يا موسى الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو المعالي أحمد ابن الخضر بن هبة الله بن طاوس الصوفي في رمضان‏.‏

والمحدث محب الدين أحمد بن تميم اللبلي‏.‏

وأبو منصور أحمد بن يحيى بن البراج الصوفي الوكيل في المحرم‏.‏

والعلامة أبو القاسم أحمد بن يزيد القرطبي آخر من روى بالإجازة عن شريح في رمضان‏.‏

وأبو علي الحسن بن إسحاق بن موهوب بن أحمد الجواليقي في شعبان وله إحدى وثمانون سنة‏.‏

ونفيس الدين الحسن بن علي بن أبي القاسم الحسين بن الحسن بن البن الأسدي في شعبان وله ثمان وثمانون سنة‏.‏

والرئيس المنشىء جمال الدين عبد الرحيم بن علي بن الحسين بن شيث القرشي الفرضي بدمشق في المحرم وكان كاتب المعظم‏.‏

وأبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وتسع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس أصابع‏.‏

السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ست وعشرين وستمائة‏.‏

فيها أعطى الملك الكامل صاحب الترجمة بيت المقدس لملك الفرنج الأنبرور وفيها خرج الملك الكامل في صفر من مصر ونزل تل العجول وكان الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى صاحب دمشق كاتب عمه الملك الأشرف موسى بالحضور إلى دمشق فوصل إليها ونزل بالنيرب وكان عز الدين أيبك قد أشار على الملك الناصر داود بمداراة عمه الملك الكامل محمد صاحب مصر فخالفه وقال الناصر لعمه الأشرف في قتال عمه الكامل فلم يلتفت الأشرف إلى كلامه واجتمع الأشرف مع أخيه الملك الكامل واتفقا على حصار دمشق‏.‏

ووصلت الأخبار بتسليم القدس إلى الأنبرور فقامت قيامة الناس لذلك ووقع أمور وتسلم الأنبرور القدس والكامل والأشرف على حصار دمشق فلم يقم الأنبرور بالقدس سوى ليلتين وعاد إلى يافا بعد أن أحسن إلى أهل القدس ولم يغير من شعائر الإسلام شيئًا‏.‏

وفيها سلم الملك الناصر داود إلى عمه الملك الكامل دمشق وعوضه عمه الكامل الشوبك وذلك في شهر ربيع الآخر من السنة‏.‏

وفيها توفي أضسيس المعروف بأقسيس المنعوت بالملك المسعود بن الملك الكامل صاحب الترجمة مرض بعد خروجه من اليمن مرضًا مزمنًا ومات بمكة ودفن بالمعلي في حياة والده الملك الكامل وكان معه من الأموال شيء كثير‏.‏

وكان ظالمًا جبارًا سفاكًا للدماء قتل باليمن خلائق لا تدخل تحت حصر واستولى على أموالهم‏.‏

وكان أبوه الملك الكامل يكرهه ويخافه‏.‏

ودام باليمن حتى سمع بموت عمه الملك المعظم عيسى فخرج من اليمن بطمع دمشق فمرض ومات‏.‏

فلما سمع أبوه الملك الكامل بموته سر بذلك واستولى على جميع أمواله‏.‏

وفيها توفي الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى الشيخ الإمام أبو القاسم الدمشقي التغلبي‏.‏

سمع الحافظ ابن عساكر وغيره وروى الكثير وكان صالحًا ثقة - رحمه الله -‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو القاسم ابن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي في المحرم وقد قارب التسعين‏.‏

وتوفيت أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي الأبنوسي‏.‏

وأبو الحسن محمد بن محمد بن أبي حرب النرسي الشاعر‏.‏

والمهذب بن علي بن قنيدة أبو نصر الأزجي والملك المسعود أقسيس صاحب اليمن ابن الملك الكامل في جمادى الآخرة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وثلاث أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة سبع وعشرين وستمائة‏.‏

فيها أخذ السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط بعد حصار طويل أقام عليها عشرة أشهر ولما بلغ صاحبها الملك الأشرف ذلك استنجد بملك الروم وغيره من الملوك وواقع جلال الدين الخوارزمي المذكور وكسره بعد أمور وقتل معظم عسكره وامتلأت الجبال والأودية منهم وشبعت الوحوش والطيور من رممهم وعظم الملك الأشرف في النفوس‏.‏

وفيها توفي الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الشيخ أبو البركات زين الأمناء المعروف بابن عساكر في ليلة الجمعة سابع عشر صفر ودفن عند أخيه فخر الدين وكان فاضلًا محدثًا سمع الكثير وروى تاريخ الحافظ ابن عساكر‏.‏

وفيها توفي فتيان بن علي بن فتيان الأسدي الحريمي المعروف بالشاغوري المعلم الشاعر المشهورة كان فاضلًا شاعرًا‏.‏

خدم الملوك ومدحهم وعلم أولادهم وله ديوان شعر مشهور‏.‏

قال الإسعردي‏:‏ إنه مات في هذه السنة‏.‏

وقال ابن خلكان‏:‏ إنه توفي سحر الثاني والعشرين من المحرم سنة خمس عشرة وستمائة بالشاغور ودفن بمقابر الباب الصغير وقول ابن خلكان هو الأرجح‏.‏

انتهى‏.‏

ومن شعر الشاغوري في مدح أرض الزبداني من دمشق‏:‏ قد أجمد الخمر كانون بكل قدح وأخمد الجمر في الكانون حين قدح يا جنة الربداني أنت مسفرة بحسن وجه إذا وجه الزمان كلح فالثلج قطن عليه السحب تندفه والجو يحلجه والقوس قوس قزح وله وقد دخل الحمام وماؤها شديد الحرارة وكان شاخ فقال‏:‏ أرى ماء حمامكم كالحميم نكابد منه عناء وبوسا وعهدي بكم تسمطون الجداء فما بالكم تسمطون التيوسا ومثل هذا قول بعضهم‏:‏ أعجب شيء رأيت فيها طهورها ينقض الطهاره ومن أحسن لغز سمعناه في الحمام‏:‏ وما ليل يخالطه نهار وأقمار تصد عن الشموس وأنهار على النيران تجري وأسلحة تسل على الرؤوس الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي زين الأمناء الحسن بن محمد بن الحسن بن عساكر في صفر وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

والشرف راجح بن إسماعيل الحلي الشاعر‏.‏

وعبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا المؤدب‏.‏

وعبد السلام بن عبد الرحمن ابن الأمين علي ابن علي بن سكينة‏.‏

وأبو المعالي محمد بن أحمد بن صالح الحنبلي ببغداد‏.‏

وفخر الدين محمد بن عبد الوهاب الأنصاري يوم عيد الأضحى‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

السنة الثالثة عشرة من سلطنة الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر‏!‏ فيها ساق التتار خلف السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه بعد أن واقعهم عدة وقائع من بلاد تبريز فانهزم بين أيديهم إلى ديار بكر فقتل في قرية من أعمال ميافارقين‏.‏

وفيها توفي بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب الملك الأمجد صاحب بعلبك‏.‏

كان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أعطاه بعلبك عند وفاة أبيه سنة ثمان وسبعين وخمسمائة فأقام فيها خمسين سنة حتى حصره الملك الأشرف موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب وأخرجه منها وساعده عليه ابن عمه أسد الدين شيركوه صاحب حمص فانتقل الملك الأمجد إلى الشام وسكنها حتى قتله بعض مماليكه غيلة وكان فاضلًا شاعرًا فصيحًا كاتبًا وله ديوان شعر كبير‏.‏

ومن شعره ‏"‏ دوبيت ‏"‏‏:‏ كم يذهب هذا العمر في الخسران يا غفلتي فيه وما أنساني ضيعت زماني كله في لعب يا عمر فهل بعدك عمر ثان قلت‏:‏ وما أحسن قول قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر - رحمه الله - في هذا المعنى وهو مما أنشدني من لفظه لنفسه - عفا الله عنه -‏:‏ خليلي ولى العمر منا ولم نتب وننوي فعال الصالحات ولكنا فحتى متى نبني بيوتًا مشيدة وأعمارنا منا تهد وما تبنى يا خجلتي وصحائفي سودًا غدت وصحائف الأبرار في إشراق وفضيحتي لمعنفٍ لي قائل أكذا تكون صحائف الوراق وفيها قتل السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه واسمه تكش وقيل محمود ابن السلطان علاء الدين خوارزم شاه واسمه محمد بن تكش وهو من نسل عبد الله بن طاهر بن الحسين وجده تكش هو الذي أزال ملك السلجوقية‏.‏

قتل بديار بكر كما ذكرناه في أول هذه السنة‏.‏

ولما قتل دخل جماعة على الملك الأشرف موسى فهنؤوه بموته فقال‏:‏ تهنوني به ولفرحون‏!‏ سوف ترون غبة‏!‏ والله لتكونن هذه الكسرة سببًا لدخول التتار إلى بلاد الإسلام ما كان الخوارزمي إلا مثل السد الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج فكان كما قال الأشرف‏.‏

كان الخوارزمي يقاتل التتار عشرة أيام بلياليها بعساكره يترجلون عن خيولهم ويلتقون بالسيوف ويبقى الرجل منهم يأكل ويبول وهو يقاتل‏.‏

وفيها توفي المهذب عبد الرحيم بن علي بن الدخوار الطبيب كان فاضلًا حاذقًا بعلم الطب أستاذ عصره تقدم على جميع أطباء زمانه ومع هذا مات بستة أمراض مختلفة ووقف داره وكتبه على الأطباء‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الحسين بن عبد الله بن النرسي البيع في رجب وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

والملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن فرخشاه صاحب بعلبك‏.‏

ومحمد بن عمر بن حسين المقرئ الكردي بدمشق‏.‏

والمهذب عبد الرحيم بن علي رئيس الطب ويعرف بالدخوار في صفر‏.‏

وأبو الفضل عبد السلام بن عبد الله الداهري الخفاف في شهر ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة‏.‏

وأبو الرضا محمد بن أبي الفتح المبارك ابن عصية الحربي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

والعلامة زين الدين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي النحوي في ذي القعدة بمصر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع واحدة ونصف إصبع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة تسع وعشرين وستمائة‏.‏

فيها عاد التتار إلى الجزيرة وحران وقتلوا وأسروا وسبوا وخرج الكامل صاحب الترجمة من مصر إلى أن وصل إلى ديار بكر واجتمع مع أخيه الأشرف موسى واجتمعوا على دفع التتار وكان أهل حران قد خرجوا لقتال التتار فما رجع منهم إلا القليل‏.‏

وعاد التتار إلى بلادهم بعد أمور صدرت منهم في حق المسلمين‏.‏

فلما بلغ الكامل عود التتار نزل على مدينة آمد ومعه أخوه الأشرف وحاصرها حتى استولى عليها وعلى عدة قلاع‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن إبراهيم الشيخ شرف الدين الفقيه الحنفي وهو ابن خالة شمس الدين ابن الشيرازي‏.‏

كان فقيهًا فاضلًا زاهدًا عابدًا ورعًا وله تصانيف حسان منها مقدمة في الفرائض ‏"‏ وكان بعث إليه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق يقول‏:‏ أفت بإباحة الأنبذة وما يعمل من ماء الرمان ونحوه فقال‏:‏ لا أفتح هذا الباب على أبي حنيفة‏!‏ إنما هي رواية النوادر وقد صح عن أبي حنيفة أنه ما شربه قط وحديث ابن مسعود لا يصح وكذا ما يروي عن عمر في إباحة شربه لا يثبت عنه‏.‏

فغضب المعظم وأخرجه من مدرسة طرخان‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو القاسم أحمد بن أحمد بن السمذي الكاتب‏.‏

والحافظ أبو موسى عبد الله ابن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي في رمضان وله ثمان وأربعون سنة‏.‏

وعبد اللطيف بن عبد الوهاب بن الطبري في شعبان‏.‏

والعلامة موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف بن محمد البغدادي النحوي الطبيب في المحرم عن اثنتين وسبعين سنة‏.‏

والزاهد الشيخ عمر بن عبد الملك الدينوري بقاسيون‏.‏

وأبو حفص عمر بن كرم بن أبي الحسن الدينوري الحمامي في رجب وله تسعون سنة‏.‏

وأبو القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى المقرئ بالإسكندرية‏.‏

والحافظ معين الدين أبو بكر محمد بن عبد الغني نقطة الحنبلي في صفر كهلًا‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وثماني أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا‏.‏

وثلاث أصابع‏.‏

السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثلاثين وستمائة‏.‏

فيها فتح الملك الكامل محمد صاحب الترجمة آمد وأخرج منها صاحبها الملك المسعود بن مودود بعد حصار طويل وتسلم منه جميع القلاع التي كانت بيده وبقي حصن كيفا عاصيًا فبعث الكامل أخاه الأشرف وأخاه شهاب الدين غازيًا ومعهما صاحب آمد تحت الحوطة فسألهم صاحب آمد في تسليم الحصن فلم يسلموا البلد فعذبه الأشرف عذابًا عظيمًا وكان يبغضه ولا زال الأشرف يحاصر حصن كيفا حتى تسلمها بعد أمور في صفر من السنة ووجد عند مسعود المذكور خمسمائة بنت من بنات الناس للفراش‏.‏

وفيها فتحت دار الحديث الأشرفية المجاورة لقلعة دمشق التي بناها الملك الأشرف موسى وأمده بها ابن الصلاح الحديث وذلك في ليلة النصف من شعبان ووقف عليها الأشرف الأوقاف وجعل بها نعل النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيها توفي الوزير صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر وزير الملك العادل وأصله من الدميرة وهي قرية بالوجه البحري من أعمال مصر‏.‏

وكان صفي الدين المذكور وزيرًا مهيبًا عالمًا فاضلًا له معرفة بقوانين الوزارة وكانت عنايته مصروفة إلى العلماء والفقهاء والأدباء وكان مالكي المذهب‏.‏

ومات بالقاهرة وهو على حرمته وله بالقاهرة مدرسة معروفة به‏.‏

وفيها توفي الملك العزيز عثمان ابن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب أخو الملك الكامل هذا وكان شقيق المعظم عيسى وهو صاحب بانياس وتبنين والحصون وهو الذي بنى الصبيبة ودام مالكًا لهذه القلاع إلى أن مات في يوم الاثنين عاشر شهر رمضان ببستانه ببيت لهيا وحمل تابوته فدفن بقاسيون عند أخيه الملك المعظم عيسى وقد تقدم أنه كان شقيقه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي بهاء الدين إبراهيم ابن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الشافعي في المحرم ولي قضاء المعرة خمسة أعوام‏.‏

وأبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف الأزجي بالقدس في صفر‏.‏

وأبو محمد الحسن ابن الأمير السيد علي بن المرتضى العلوي الحسيني في شعبان‏.‏

وصفي الدين أبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن سالم بن محمد بن باقا التاجر في رمضان وله خمس وسبعون سنة‏.‏

وصاحب الصبيبة الملك العزيز عثمان بن العادل - رحمه الله - والعلامة عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري المؤرخ في شعبان وقد قارب ستًا وسبعين سنة‏.‏

وصاحب إربل مظفر الدين كوكبوري ابن صاحب إربل أيضًا زين الدين علي بن بكتكين التركماني في رمضان‏.‏

والوزير مؤيد الدين محمد بن محمد بن القمي ببغداد‏.‏

وشرف الدين محمد بن نصر الله بن مكارم الدمشقي الشاعر الكاتب المعروف بابن عنين في شهر ربيع الأول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وست أصابع وطال مكثه على الأراضي‏.‏

والله أعلم‏.‏

السنة السادسة عشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة إحدى وثلاثين وستمائة‏.‏

فيها اجتمع الملك الكامل صاحب الترجمة وإخوته وأسد الدين شيركوه صاحب حمص وساروا ليدخلوا بلاد الروم من عند النهر الأزرق فوجدوا الروم قد حفظوا الدربند ووقفوا على رؤوس الجبال وسموا الطرق فامتنعت العساكر من الدخول وكان الملك الأشرف صاحب دمشق يومئذ ضيق الصدر من أخيه الملك الكامل هذا لأنه طلب منه الرقة فامتنع وقال له‏:‏ ما يكفيك كرسي بني أمية‏!‏ فاجتمع أسد الدين شيركوه صاحب حمص بالأشرف وقال له‏:‏ إن حكم الكامل على الروم أخذ جميع ما بأيدينا فوقع التقاعد فلما رأى الكامل ذلك عبر الفرات ونزل السويداء وجاءه صاحب خرتبرت وهو من بني أرتق وقال له‏:‏ عندنا طريق سهلة تدخل منها إلى الروم‏.‏

فجهز الملك الكامل بين يديه ولده الملك الصالح نجم الدين الوب وابن أخيه الملك الناصر داود بن المعظم والخادم صوابا فجاءتهم عساكر الروم وكان الناصر تأخر وتقدم صواب في خمسة آلاف فارس ومعه الملك المظفر صاحب حماة وقاتلوا الروم وانهزموا فعاد الملك الكامل إلى آمد‏.‏

وكان أسر صواب وجماعة من الأمراء فأطلقهم الروم بعد أن أحسنوا إليهم‏.‏

وفيها قدم رسول الأنبرور الفرنجي على الملك الكامل بهدايا فيها دب أبيض وشعره مثل شعر السبع ينزل البحر فيصعد بالسمك فيأكله ومعه أيضًا طاووس أبيض‏.‏

وفيها توفي الشيخ العارف المسلك الزاهد شهاب الدين أبو حفص - وقيل أبو عبد الله - عمر بن محمد بن عبد الله بن عمويه القرشي التيمي البكري السهروردي الصوفي‏.‏

وذكر الذهبي وفاته في سنة اثنتين وثلاثين وهو الأشهر‏.‏

قلت‏:‏ ومولده في شهر رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد وقدم بغداد وهو أمرد فصحب عمه الشيخ أبا النجيب عبد القاهر وأخذ عنه التصوف والوعظ وصحب أيضًا الشيخ عبد القادر الجيلي وسمع الحديث من عمه المذكور وغيره وروى عنه البرزالي وجماعة كثيرة وكان له في الطريقة قدم ثابتة ولسان ناطق وولي عدة ربط للصوفية ونفذه الخليفة إلى عدة جهات رسولًا وكان فقيهًا عالمًا واعظًا مفتنًا مصنفًا وهو صاحب التصانيف المشهورة واشتهر اسمه وقصد من الأقطار وظهرت بركات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا ووصل به خلق إلى الله تعالى وكف بصره قبل موته‏.‏

قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي‏:‏ رأيته في سنة تسعين وخمسمائة يعظ برباط درب المقير على منبر طين وعلى رأسه مئزر صوف قال‏:‏ وصنف كتابًا للصوفية وسماه ‏"‏ عوارف المعارف ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وجلس يومًا ببغداد وذكر أحوال القوم وأنشد - رحمه الله تعالى وعفا عنه -‏:‏ ما في الصحاب أخو وجد نطارحه حديث نجد ولا صب نجاريه وجعل يرعد البيت ويطرب فصاح به شاب من أطراف المجلس وعليه قباء وكلوتة وقال‏:‏ يا شيخ لم تشطح وتنتقص القوم‏!‏ والله إن فيهم من لا يرضى أن يجاريك ولا يصل فهمك إلى ما ما في الصحاب وقد سارت حمولهم إلا محب له في الركب محبوب كأنه يوسف في كل راحلةٍ والحي في كل بيت منه يعقوب‏!‏ فصاح الشيخ ونزل من على المنبر وقصده فلم يجده ووجد موضعه حفرة بها دم مما فحص برجليه عند إنشاد الشيخ البيت‏.‏

انتهى كلام أبي المظفر باختصار‏.‏

وفيها توفي الشيخ طي المصري مريد الشيخ محمد الفزاري قدم الشام وأقام مدة بزاويته وكان يغشاه الأكابر وانتفع بصحبته جماعة وكان زاهدًا عابدًا ودفن بزاويته بدمشق‏.‏

وفيها توفي الشيخ عبد الله الأرمني الزاهد العابد الورع‏.‏

كان رحالًا سافر إلى البلاد ولقي الأبدال وأخذ عنهم وكان له مجاهدات ورياضات وعبادات وسياحات وكان في بداية أمره لا يأوي إلا البراري القفار ويتناول المباحات قرأ القرآن وكتاب القدوري في الفقه وصحب رجالًا من الأولياء وكان معدودًا من فقهاء الحنفية وله حكايات ومناقب كثيرة‏.‏

ومات في يوم الجمعة تاسع عشرين ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون وقد جاوز سبعين سنة‏.‏

وفيها توفي العلامة سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم المعروف بالسيف الآمدي كان إمامًا بارعًا لم يكن في زمانه من يجاريه في علم الكلام‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ وكان يرمى بأشياء ظاهرها أنه كان بريئًا منها لأنه كان سريع الدمعة رقيق القلب سليم الصدر وكان مقيمًا بحماة وسكن دمشق وكان بنو العادل‏:‏ المعظم والأشرف والكامل يكرهونه لما اشتهر عنه من الاشتغال بالمنطق وعلوم الأوائل‏.‏

ثم قال أبو المظفر بعد كلام آخر‏:‏ وأقام السيف خاملًا في بيته إلى أن توفي في صفر ودفن بقاسيون في تربته‏.‏

وفيها توفي كريم الدين الخلاطي الأميرة كان أديبًا لطيفًا حسن اللقاء ذا مروءة‏.‏

خدم الأشرف والمعظم والكامل وحج بالناس أميرًا من الشام وتوفي بدمشق ودفن بقاسيون عند مغارة الجوع‏.‏

وفيها توفي الصلاح الإربلي كان أديبًا فاضلًا شاعرًا خدم مظفر الذين صاحب إربل ثم انتقل إلى خدمة الملك المغيث بن العادل ثم خدم الكامل وتقدم في دولته وصار نديمه ثم سخط عليه لأنه بعثه رسولًا إلى أخيه المعظم فنقل عنه أن المعظم استماله فحبسه الكامل في الجب مدة سنتين ثم رضي عنه وأخرجه‏.‏

ومن شعره من قصيدة‏:‏ من يوم فراقنا على التحقيق هذي كبدي أحق بالتمزيق لو دام لنا الوصال ألفي سنة ما كان يفي بساعة التفريق الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن ماتكين الجوهري في ذي القعدة وله ثمانون سنة‏.‏

ونجم الدين ثابت بن بادان التفليسي الصوفي شيخ الأسدية‏.‏

وسراج الدين الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد الزبيدي الحنبلي في صفر وله خمس وثمانون سنة‏.‏

وزكريا بن علي بن حسان العلبي في شهر ربيع الأول‏.‏

والخادم طغريل أتابك الملك العزيز ومدبر دولته‏.‏

والشيخ القدوة عبد الله بن يونس الأرمني‏.‏

والسيف الآمدي علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي في صفر وله ثمانون سنة‏.‏

والمحدث أبو رشيد محمد بن أبي بكر الأصبهاني الغزالي المقرئ‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن - عمر بن يوسف القرطبي في صفر بالمدينة‏.‏

وأبو الغنائم المسلم بن أحمد المازني النصيبي في شهر ربيع الأول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏